كان بيان اعلان الجمهورية من التركيز و الوضوح إلى الحد الذي حول الناس الدعوة الواردة فيه : " هاتوا أيديكم ، وافتحوا قلوبكم ، وانسوا أحقادكم وقفوا صفا واحدا "، الى واقع..
اصبحت ليبيا ذاك اليوم جمهورية، و أعلن الجيش حال الطواريء، و لكنه أمسى على عجزه عن منع الناس من الخروج الى الشوارع .. كنّا شهوداً على ذلك ... كل ليبيا خرجت بلا استثناء ، و كأنها على موعد مع لحظة "القدر الرهيبة" التي أبانها الملازم معمر القذافي الذي قاد ذاك العمل في سره و علنه سنين طويلة..
ربما من عيوب ما جرى عام 1969 أنه ظل ثورة ، و لكن ضرورتها كان يستدعيها الحجم الذي اختارت ليبيا أن تكون به و فيه.. كانت الطموحات التي سعت إليها البلاد كبيرة إلى الحد الذي خاصمتها قوى عالمية عظمى ...
يُضاف إليه أن الناس كانت قد سئمت من شقائها تحت سخرة المستعمرين ، و فساد السياسيين ، حد أنها سلّمت أمرها لحكامها الجدد ، أبناءها الذين وثقت فيهم ، و انصرفت للراحة ...
قد تكون اللامبالاة و الإتكالية التي صار عليها الليبيون بخروج المستعمرين، وراء الكثير من الإخفاقات ...
اليوم ماضي ليبيا متروك لحكم التاريخ؛ كما أن الإشادة به لن يضيف إليه ، و التنكر له لن ينقص منه ، و كلا الموقفين لن يستعيد ليبيا المهابة صنيعة الجمهورية و ما تلاها ،إنما الذي يستعيدها هو عمل جاد و فعال، بعيدا عن الاجنبي البغيض؛ لكن هذا العمل لن يتحقق بلا قيادة تجتمع عليها الناس... فمن هو المؤهل لذلك ؟
في الوقت الحاضر ربما يكون ضباط الجيش الذين أقاموا الجمهورية عام 1969 هم الأولى و الأقدر و الأجدر بقيادة الليبيين لاستعادة ليبيا ، و هم مسؤولون عن ذلك قانونياً ، و أخلاقياً ...
اليوم يقع على ما تبقى من أولئك الضباط؛ الذين انضووا في حركة الوحدويين الأحرار عبء و واجب استعادة ليبيا إلى السكة التي انحرفت عنها بالعدوان الذي قاده الناتو عليها عام 2011 .. صحيح أن أولئك الضباط ليست بين أيديهم القوة التي كانت عام 1969 ؛ و لكن حتما، لهم عند اغلب الليبيين تقديرا معنويا ، ربما يجعل الناس ترى فيما سيفعلونه ، ما تلتقي عليه؛ فهم من كل ليبيا ..
لاشك ان الانظار ستتوجه إلى خليفة حفتر بإعتباره واحدا من الاعضاء في تلك الحركة ، بل من الفاعلين فيها ، و هو بين يديه بعض القوة التي تحركت لتقيم ثم تقود و تحمي الجمهورية بعد إعلانها ، فإن بادر فإن ذلك عمل محمود له،و نتمناه ؛ لكن أيا من الضباط الأحرار يملك أن يدعو بقية زملائه فيلتقوا و على جدول اعمالهم اعلان الجمهورية العربية الليبية ، كما هي يوم أن اعلنوها أول مرة عام 1969 بعلمها و نشيدها و إعلانها الدستوري، دون الإلتفات إلاّ لليبيين الذين حتما ستؤيد غالبيتهم هذا المسعى، ثم حين يستتب أمرها كدولة يُستفتى الليبيون على شكلها التي يريدون بعد الجمهورية... مملكة كما كانت ، أو جماهيرية كما صارت، أو يبقوا عليها جمهورية كما آلت ...
ربما يستغرب البعض هذه الدعوة، و ربما يدفع البعض باستحالة تحققها بحكم ان هؤلاء الضباط ليست لديهم القوة لتحقيق هذا ، لو أرادوا ...
أنا أقول للجميع ، القوة في التفاف الناس حول دعوة كهذه ... لو احتضنت الناس عمل كهذا، ستنزاح يد الأجنبي عن ليبيا بلا عناء، و ستفقد كل الأجسام التي مكّنها من ليبيا، شرعيتها المدعاة، و سيختصر الوقت لعودتها دولة
مهابة ، و سيقطع الطريق على الذين يقطّعون الوقت بالخداع ليستمرّوا ينهبون و هم يتلذذون بمعاناتنا ...
لايمكن أن نستعيد ليبيا، و هي بلا قيادة...
في يوم عيدها التاسع و الأربعين:
تحيا الجمهورية العربية الليبية،
تحيّة للذين اعلنوها في ذكرى عيدها ؛ احياءً و أمواتاً ما ظلّوا على وطنيتهم،
المجد لشهيديها الحيين؛ و الدعاء لهما، اللذين كانت بداية مسيرتهما فخر و نهايتها كذلك:
قائدها معمر ، و رفيقه أبوبكر ..